جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
مما لا شك فيه أن القرار الذى تبناه مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدفع طهران إلى المزيد من الشفافية حول برنامجها النووى، وإلى استمرار تعليق أنشطة
مما لا شك فيه أن القرار الذى تبناه مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعه الأخير طهران إلى المزيد من الشفافية حول برنامجها النووى، وإلى استمرار تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، و لم يدفع بهذه القضية لمجلس الأمن كما كانت ترغب واشنطن، جعل المستقبل مفتوحاً على سيناريوهات متعددة، خاصة بعد أن رفضت طهران المقترحات التى قدمتها الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، وقد أدى هذا الوضع إلي وضع ما يُعرف بأزمة الملف النووى الإيرانى فى بؤرة الضوء ، وهذه المرحلة تطرح سيناريوهات متعددة لهذه الأزمة، وأخطر ما فى هذه السيناريوهات بطبيعة الحال، احتمال قيام الولايات المتحدة، أو إسرائيل بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، فى ضوء ما كشفت عنه مصادر دبلوماسية غربية من أن طهران قد تلقت بعد قرارها باستئناف الأنشطة النووية تهديدات عسكرية من قبل الولايات المتحدة عبر قنوات غربية .
وهذه السيناريوهات تنحصر فى احتمال دفع الأزمة لأحد مسارين بطبيعة الحال:
أولهما، مسار الانفراج، وثانيهما مسار التصعيد، وبداخل هذين السيناريوهين، سيناريوهات أخرى فرعية، فبداخل مسار الانفراج يمكن الحديث عن تسوية نهائية للأزمة، أو تجميدها خلال المرحلة الحالية، مع إمكانية تفجرها مرة أخرى، وبداخل سيناريو التصعيد، يمكن توقع فشل المباحثات الأوروبية الإيرانية ونجاح الضغوط الأمريكية القوية التى تمارس على الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى نقل الملف إلى مجلس الأمن، وحال تحقق هذه الخطوة، يمكن الحديث عن سيناريو فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وإمكانية استهدافها عسكريا، أو أن تستبق الولايات المتحدة أو إسرائيل برعاية من واشنطن بضرب إيران. ولكن هذا السيناريو (سيناريو التصعيد) يمكن أن يتضمن حدوث تسوية للأزمة استناداً إلى سياسة حافة الهاوية .
وعلى هذا النحو تتعدد الاحتمالات بشأن مستقبل تسوية الملف النووى الإيرانى ،إضافة إلى كون إيران تمثل حجر عثرة أمام المشروع الأمريكى لإعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط . فما الذى يمكن أن يحدث، وبتساؤل آخر : أى السيناريوهات مرجح للحدوث ؟
الواقع، أنه وعلى الرغم من أن الأزمة قد اتخذت خلال الفترة الأخيرة منحنى تصعيدياً غير مسبوق، فإن الطريق إلى التفاوض، وبالتالى إمكانات الانفراج، مازال مفتوحاً، بالنظر إلى ثلاثة عوامل أساسية :
أولها، أنه إذا كانت إيران قد بدأت فى استئناف نشاطاتها النووية، فإن هذه الخطوة، ورغم ما أثارته من غضب لدى الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، لم تأت متعارضة مع ما كانت اتفقت إيران عليه مع الترويكا الأوروبية من تعليق (طوعى) لأنشطة تخصيب اليورانيوم، فهذه الخطوة هدفها (تحويل) وليس (تخصيب) اليورانيوم وفى منشأة أصفهان على وجه التحديد، وهى منشأة لا تثير القلق الذى تثيره المنشآت الأخرى مثل ناتانز أو مفاعل بوشهر .
وثانيها، أن إيران أكدت بعد تلك الخطوة أنها ملتزمة بالتفاوض مع الأوربيين، الذين أكدوا من ناحيتهم على أن خيار التفاوض ما يزال قائما، بل إن الرئيس الإيرانى أعلن أن لديه أفكاراً جيدة لتسوية الأزمة، وقدمت إيران جملة من المقترحات للجانب الأوروبى بهدف تأكيد التزامها على سلمية برنامجها النووى ورغبتها فى مواصلة التفاوض، ومن المؤكد أن المصالح الأوروبية الضخمة وبالذات للدول الثلاث التى تقوم بالمباحثات مع إيران، سوف تدفع الأوروبيين إلى الحرص على عدم تصعيد الأمور والوصول إلى مرحلة فرض عقوبات اقتصادية على إيران، لأن ذلك سوف يسبب ضرراً كبيراً للجانب الأوروبى الذى يتجاوز حجم تجارته مع طهران الـ 30 مليار دولار .
وثالثها، أن مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يحدد عقوبات بعينها سوف تفرض على طهران، إذا لم توقف أنشطتها النووية،
كل هذه الأمور، تؤكد على أن باب التفاوض ما يزال مفتوحا، وأنه يمكن أن يسفر عن تسوية لتلك الأزمة، والتسوية المثالية من وجهة نظر إيران ، أن تسفر المفاوضات عن إقرار حق إيران فى تخصيب اليورانيوم وامتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية، مع إعطاء كافة الضمانات الخاصة بالتحقق من سلمية البرنامج النووى الإيرانى، وهذا الحق تقره معاهدة منع الانتشار النووى لكافة الدول، أما التسوية المثالية من وجهة النظر الأمريكية وما تريده إدارة بوش، فتتمثل فى أن تنتهى المفاوضات إلى الاتفاق مع إيران على وقف نهائى وشامل لأنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم، مقابل أن تحصل الجمهورية الإسلامية على مزايا اقتصادية ودعم أوروبى وتعهد دولى بضم إيران لمنظمة التجارة العالمية، ولا مانع من استيراد إيران للوقود النووى المخصب من روسيا أو دول أخرى، لتشغيل المفاعلات النووية الإيرانية، وهو ما ترفضه طهران، التى تؤكد على ضرورة الاعتراف بحقها المشروع فى تخصيب اليورانيوم وامتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، فى إطار توفير الاحتياجات الذاتية من الوقود النووى، مع رفض مبدأ استيراد الوقود النووى الباهظ الثمن والذى يرهن حصول إيران عليه بتقلبات السياسة الدولية .
وبين طموح إيران فى أن تسفر المفاوضات عن تقرير حقها فى تخصيب اليورانيوم وامتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية من ناحية، والرفض الأمريكى المطلق لمنح إيران حق تخصيب اليورانيوم من ناحية أخرى، يمكن توقع توصل الطرفين إلى عدة صيغ للحلول الوسط، للتوفيق بين الحد الأقصى الذى تطالب به طهران، والحد الأقصى الذى تريده واشنطن، ومن المؤكد أن التفاوض سوف يجرى حول مثل هذه الصيغ، ولكن هذا التفاوض سوف لن يستمر بطبيعة الحال إلى ما لا نهاية، وقد يعرض لإنهاء قسرى، أو بعد التيقن من عدم فعاليته، ومن ثم يكون غلق باب التفاوض، وهذا الأمر مرشح للحدوث في الحالتين التاليتين :
أولاهما، أن تنجح الضغوط القوية التى تمارسها الولايات المتحدة على أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى دفع الملف إلى مجلس الأمن، بدون انتظار نتائج المحادثات الجارية بين الأوربيين والإيرانيين، حيث أن واشنطن تبدو متلهفة على مثل هذه الخطوة من أجل حشر إيران فى الزاوية (كما تعتقد إدارة بوش) ومن ثم الحصول منها على أكبر قدر ممكن من التنازلات، ليس فقط فى قضية الملف النووى، ولكن فى قضايا إقليمية أخرى، ولكن هذا السيناريو يواجه بعقبات عدة، منها أن الغالبية الكاسحة من أعضاء الوكالة مع خيار التفاوض، ومنها كذلك أن هناك بعض الدول الأعضاء بالوكالة مثل البرازيل لديهم برامجهم النووية السلمية،
وهذه الدول، تخشى من معاقبة إيران التى ليس ثمة ما يدين برنامجها النووى لكون طابعه السلمى، حتى لا يكون ذلك بمثابة مقدمة لاستهدافها فى مرحلة لاحقة، من أجل حصر امتلاك التكنولوجيا النووية بشقيها السلمى والعسكرى فى دول محددة، وهذا الأمر سبب خلافات قوية داخل الوكالة فى اجتماعها الأخير، ويبدو أن الجانب المعارض للولايات المتحدة قد انتصر فى هذا الاجتماع، بالنظر لما جاء فى القرار المذكور الذى اتخذه الاجتماع .
وثانيتهما، أن تفشل محادثات الترويكا الأوروبية مع إيران فى الوصول إلى صيغة مرضية للجانبين، وهذا الفشل ربما يكون دافعاً لنجاح الضغوط الأمريكية المشار إليها، مع الأخذ بعين الاعتبار، العقبات السالف ذكرها التى تواجه واشنطن داخل مجلس الوكالة، وكذلك العقبات الخاصة باحتمال أن يتوافق الأوروبيون كليا مع الموقف الأمريكى، الداعى لطرح القضية على مجلس الأمن، ذلك أنه وعلى الرغم من أن الموقف الأوروبى بدأ يميل للتشدد تجاه إيران، فإن هذا الموقف ما يزال متميزاً عن الموقف الأمريكى، ففى الوقت الذى هدد فيه بوش بعمل عسكرى ضد إيران بعد استئناف نشاطاتها النووية، أكد الجانب الألمانى بحزم على ضرورة التمسك بخيار التفاوض دون التلويح بعمل عسكرى .
وعلى الرغم من أن سيناريو إحالة الملف النووى الإيرانى على مجلس الأمن، يظل وارداً، كإحدى السيناريوهات الفرعية لتصاعد حدة الأزمة، فإن وصول الملف إلى مجلس الأمن لا يعنى أن الكارثة قد وقعت بالفعل، فالولايات المتحدة التى تبدو أكثر تلهفاً لهذه الخطوة، إذا ما فشلت فى إخضاع إيران من مجرد التهديد بها، وصمدت إيران حتى وصول ملفها النووى إلى المجلس، سوف تجد نفسها فى هذه المرحلة فى حاجة لحشد التأييد الدولى لها من أجل فرض عقوبات على إيران، وهذه خطوة سوف تواجه بالعديد من المعوقات، وسوف تجد الولايات المتحدة نفسها فى مأزق حقيقى إذا ما اتجهت بسبيل حشد هذا التأييد لعمل عسكرى ضد إيران، هذا إذا فكرت واشنطن أصلا فى الخيار العسكرى، فى ضوء الورطة التى تواجهها فى العراق، مع الاستتنزاف الحاصل للقوات الأمريكية هناك، ومن ثم عدم منطقية فتح جبهة نارية أخرى، ومن المؤكد أن هذه العقبات التى تواجه واشنطن إذا ما أحيل الملف النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن، تمثل من ناحية أخرى مزايا تدعم الموقف الإيرانى الذى يستند على حق مشروع بتخصيب اليورانيوم وفقا لمعاهدة منع الانتشار النووى .
وإضافة إلى كل هذه السيناريوهات، هناك السيناريو الخاص بإمكانية حدوث صفقة شاملة بين الولايات المتحدة التى هى المحرك الأساسى لقضية الملف النووى الأيرانى من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، وثمة معلومات متناثرة حول قنوات سرية للحوار بين الجانبين ، ويتم بمقتضى هذه الصفقة إنهاء هذه الأزمة بشكل شامل، عن طريق التزامات متبادلة بين الطرفين، تضمن إنهاء حالة العداء المزمنة بين الطرفين، وهذا الأمر يمكن أن يتم بتعهد واشنطن بعدم استهداف إيران أو تهديدها، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة فى البنوك الأمريكية، وإقرار واشنطن بدور إيران الإقليمى وخصوصيتها الحضارية، والحل المتصور فى هذه الحالة، يتمثل فى أن توقف إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم لفترة من أجل بناء الثقة، أو أن تساهم الولايات المتحدة فى المشروع النووى الإيرانى .
وعلى هذا النحو، فإن ثمة سيناريوهات متعددة لأزمة الملف النووى الإيرانى، تجعل مستقبل هذا الملف مفتوحاً على العديد من الاحتمالات، التى لا يمكن التأكيد بشكل قاطع على أحدها دون الآخر .
احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران
بالرغم من إعلان الرئيس بوش أنه لا يوجد حالياً على الطاولة مخطط لعمل عسكرى ضد إيران، إلا أن نائب الرئيس ديك تشينى أكد فى أكثر من تصريح أن جميع الخيارات مطروحة، وأن لدى الولايات المتحدة استراتيجية شاملة للعمل ضد إيران.إلا أن زيادة الحشود الجوية الأمريكية فى الخليج بإضافة مجموعة حاملة الطائرات (ستينس) إلى جانب حاملة الطائرات (أيزنهاور) وبذلك تضاعف حجم المقاتلات فى الخليج إلى حوالى 150 مقاتلة، وزيادة حجم الصواريخ كروز (توما هوك) إلى حوالى 200 صاروخ، هذا إلى جانب عدد من السفن كاسحات الألغام تحسباً لقيام إيران بتلغيم مياه الخليج، كما وجه بوش أوامر مشددة لتخزين كميات كبيرة من احتياطى البترول الأمريكي، إلى جانب تخزين المواد اللوجستية اللازمة للضربة.
وفى الإطار نفسه قامت الولايات المتحدة بدعم قواعدها على الساحل الغربى للخليج ببطاريات صواريخ مضادة للصواريخ (باتريوت- باك3). وقامت البحرية الأمريكية بعدة مناورات شملت التدريب على إعادة فتح ممر هرمز إذا ما أغلقته إيران فى وجه ناقلات النفط، واحتلال قاعدة بندر عباس الإيرانية، والتصدى لهجمات زوارق صواريخ وزوارق انتحارية، والدفاع عن القواعد البحرية فى مواجهة إبرار بحرى إيرنى. وهو ما ردت عليه إيران بالإعلان عن المناورات (اقتدار) في فبراير 2007 على خلفية تصاعد الأزمة النووية، واستمرت ثلاثة أيام شارك فيها 65 ألف جندى فى 20 لواء من الحرس الثورى فى 16 محافظة من ثلاثين محافظة إيرانية. وقد شملت موضوعاتها اختبار أنظمة الدفاع الجوى الحديثة التى حصلت عليها إيران من روسيا أخيرا (29 بطارية Tor-Mi) بتكلفة 1.4 مليار دولار. إلى جانب اختبار صواريخ أرض أرض فجر 3،5 وزلزال، وأرض / بحر مداه 350 كم- واتهمت بإطلاق صاروخ إلى الفضاء تمهيداً لتحميله مستقبلاً بقمر صناعى. كما طورت إيران طائرة بدون طيار لمهاجمة السفن الأمريكية عن بعد.
وفى إطار الحرب السرية غير المعلنة الناشئة حالياً بين أمريكا وإيران، وقعت مؤخراً عدة أحداث كشفت عن مخططات أمريكية لشن عمليات مخابراتية تحتية وقوات خاصة ضد عناصر فيلق القدس الإيرانى فى العراق، ولإثارة الأقليات المتواجدة فى المحافظات الحدودية الإيرانية ضد النظام الحاكم، وهو ما ردت عليه إيران بتكثيف هجمات الميليشيات التابعة لها فى العراق ضد القوات الأمريكية.
أبعاد الضربة
وفى إطار التخطيط للعمل العسكرى، كشفت مجلة (نيويوركر) الأمريكية عن تشكيل لجنة خاصة فى البنتاجون للتخطيط لشن هجوم على إيران خلال 24 ساعة من تلقى الأوامر بذلك من الرئيس الأمريكى، وأن الأهداف التى سيتم قصفها بالقاذفات والمقاتلات والصواريخ كروز (توماهوك) لن تنحصر فقط فى المنشآت النووية الإيرانية، بل ستشمل أهدافاً مؤثرة أخرى استراتيجية وعسكرية، مثل مراكز القيادة والسيطرة السياسية والاستراتيجية والمطارات وقواعد الدفاع الجوى، ومناطق تمركز وحدات الحرس الثورى البرية والبحرية، لاسيما فيلق القدس. هذا إلى جانب أهداف الضربة الثانية وأبرزها وحدات الصواريخ أرض أرض (شهاب3)، مراكز الصناعة العسكرية داخل إيران، ويبلغ إجمالى حجم الأهداف المتوقع أن تشملها خطة الهجوم حوالى 150 هدفاً تحتاج إلى حوالى 600 طائرة مقاتلة و 200 صاروخ توماهوك. وستفتتح الهجوم قاذفات قادمة رأساً من قواعدها فى الولايات المتحدة وبريطانيا وديجوجارسيا مثل B-I، B-2، B-52، ومن قاعدة العُديّد القطرية المقاتلات F-17. ولأن الذخائر التقليدية الذكية لن تجدى نفعاً فى إحداث التدمير المطلوب لاسيما فى المنشآت النووية المحصنة والموجودة فى أنفاق على عمق حوالى 30 متراً تحت الأرض، لذلك من المخطط استخدام ذخائر الأعماق الذكية المشار إليها فى فتح فجوات فى هذه التحصينات، وبما يسمح بعد ذلك بتوجيه قنابل نووية تكتيكية b61-11 داخل هذه الفجوات بقوة كيلو طن (1000 طن متفجرات) لإحداث تدمير شامل وإعادة لكل ما هو داخل التحصينات المكونة من طبقات من الصخور والخرسانة المسلحة تحوى معدات وأفراداً وكان الكونجرس قد أقر قانوناً منذ عامين يسمح للإدارة الأمريكية باستخدام أسلحة نووية تكتيكية منخفضة القوة فى حروب أمريكا الاستباقية، على أساس أن إشعاعاتها تنحصر فقط تحت الأرض، وهو ما ليس بصحيح. وقد قامت الوحدات الجوية الأمريكية المقرر تنفيذها لهذا الهجوم بالتدريب عليه على نماذج للأهداف الإيرانية فى صحراء نيفادا. كما تكثف وسائل الاستطلاع، والمخابرات الأمريكية الفضائية والجوية والبشرية والإلكترونية فى جهودها لاكتشاف وتأكيد مواقع الأهداف الإيرانية التى يقوم الإيرانيون بتغيير أماكنها باستمرار والتمييز بين الأهداف الحقيقية والهيكلية، وفى هذا المجال رصدت الرادارات الإيرانية زيادة معدلات الدوريات الجوية فى مناطق الحدود الإيرانية، خصوصاً مع العراق وأفغانستان، كما عبرت مجموعات مخابراتية وقوات خاصة أمريكية وإسرائيلية الحدود إلى داخل إيران لتأكيد أوضاع الأهداف التى سيتم قصفها، والاتصال بالعناصر المعارضة فى الداخل للقيام بعمليات تخريب واغتيال وخطف ضد شخصيات سياسية وعسكرية وعلمية فى النظام الإيرانى، عندما يحين موعد الهجوم الأمريكي، وقد تمكنت أجهزة الأمن الإيرانية من اعتقال عناصر من هذه المجموعات.
مبررات تسويق الضربة
تعكف الإدارة الأمريكية منذ فترة على إعداد قائمة اتهامات ضد إيران يمكن أن تبرر بها أمام الكونجرس والرأى العام الأمريكي قرارها بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران. فقد ذكر مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد ولش أن الولايات المتحدة لديها أدلة واضحة على وقوف إيران وراء الاعتداءات التى يتعرض لها جنودها فى العراق، وأن واشنطن لا تستبعد أى خيار للتعامل مع هذه المسألة. كما أعلن الجنرال ريموند أو ديرنو المسئول العسكرى الثانى فى القوات الأمريكية بالعراق أن بلاده تملك أدلة ثابتة على أن إيران تسلح ميليشيات شيعية عراقية تابعة لها، وأنهم ضبطوا أسلحة إيرانية ذات أرقام متسلسلة مماثلة لتلك التى أمدت بها طهران حزب الله فى لبنان، كما أرجح مسئولون أمريكيون فى العراق سقوط 8 مروحيات أمريكية طرازى شينوك وآباتشى إلى تزويد إيران للميليشيات التابعة لها فى العراق بصواريخ أرض/ جو متقدمة قادرة على التغلب على إجراءات الحماية الإلكترونية المزودة بها هذه المروحيات، قادرة على تغيير مسار صاروخ (ستريلا - سام7) من الجيل القديم.
أما المبررات من حيث البرنامج النووى الإيرانى، فتتمثل فيما أشار إليه المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى تقريره السنوى لعام 2007 من أن إيران قد تتمكن من إنتاج سلاح نووى فى غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، ذلك أن مخزون إيران من غاز UF-6 (سادس فلوريد اليورانيوم، يبلغ 250 طن، ويتم إنتاجه فى مصنع أصفهان قبل أن يضخ فى أجهزة الطرد المركزى الموجودة فى مصنع التخصيب فى ناتانز، وهذه الكمية تكفى فى حالة تخصيبها لإنتاج 30-50 سلاحاً نووياً. وأنه فى حالة تشغيل الـ 3000 جهاز طرد مركزى- خاصة طراز p2-وهو ما وعد به الرئيس الإيرانى نجاد، فإنه يلزم ما بين 9-11 شهراً لإنتاج 25 كجم يورانيوم 235 بنسبة تخصيب 90% كافية لصنع سلاح نووى واحد بقدرة 20 كيلوا/طن.إلا أن عنق الزجاجة الرئيسى الذى يتعين على العلماء الإيرانيين اجتيازه لصنع هذه الأسلحة هو معرفة كيفية تمرير المادة الخام بداخل مجموعات أنابيب الطرد المركزى لفترات ممتدة، ولكن من المتوقع أن تنجح إيران فى تشغيل الـ 3000 جهاز قبل نهاية 2007، وهو ما قد يعجل بتوجيه الضربة الأمريكية ضدها.
وعن توقيت تنفيذ الضربة ضد إيران، فهو مرتبط بعوامل كثيرة أبرزها استنفاد الوسائل الدبلوماسية والعقوبات فى إجبار طهران على الانصياع لقرارات مجلس الأمن، واستكمال الحشد البحرى والجوى فى المنطقة، ونجاح التمهيد السياسى فى إقناع الكونجرس والرأى العام الأمريكي بمبررات الضربة، ومع إعلان إيران نجاح تشغيل الـ 3000 جهاز طرد مركزى لتخصيب اليورانيوم. والمرجع لذلك ربيع عام 2008 قبل نهاية ولاية بوش والذى يصر على ألا يترك هذه المشكلة معلقة لمن سيأتى بعده فى رئاسة أمريكا.
الدور الإسرائيلى فى الضربة ضد إيران
يبرز الدور الإسرائيلى فى الضربة العسكرية المتوقعة ضد إيران، نتيجة ما تجده واشنطن من صعوبة فى تسويق مبررات هذه الضربة فى الداخل، حيث تلقى معارضة من ثلثى الشعب الأمريكي، ومن داخل الكونجرس الذى يسيطر عليه الديموقراطيون، فقد فوجئت الإدارة الأمريكية بردود الفعل الباردة تجاه إعلانها عن أدلة دامغة لتوريط فيلق القدس الإيرانى فى مقتل 170 أمريكياً فى العراق، ودور الرشاشات المتوسطة التى سبق أن اشترتها إيران من النمسا فى تفجير شاحنات (هامفى) العسكرية الأمريكية فى العراق. وإن كانت الإدارة الأمريكية تراهن حالياً على التخويف من احتلال إيران للبصرة بعد انسحاب القوات البريطانية منها.
لذلك فإن السيناريو البديل لذلك هو السيناريو الإسرائيلى الذى ينقذ الإدارة الأمريكية من اعتراض الكونجرس على شن ضربة ضد إيران، وذلك من منطلق الوزن الكبير الذى يمثله اللوبى اليهودى فى الحزب الديمقراطى، وبالتالى استحالة رفض الديموقراطيين دخول أمريكا الحرب ضد إيران دفاعاً عن إسرائيل، خصوصاً أنهم على أبواب انتخابات الرئاسة فى يناير 2009، خاصة وأن تهديدات نجاد بإزالة إسرائيل من الوجود تعطى الأخيرة المبرر لضرب إيران.
ولم يتردد المسئولون الإسرائيليون فى إعلان رفضهم السماح بأن يمضى البرنامج النووى الإيرانى فى طريقه حتى يتم إنتاج سلاح نووى، وأن إسرائيل غير مستعدة للقبول بنظرية توازن الرعب بينها وبين إيران، لأن هذه النظرية وإن نجحت إبان فترة الحرب الباردة فى منع نشوب حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، فإنه لا يمكن تطبيقها على دولة صغيرة مثل إسرائيل تكفى قنبلة نووية واحدة لإبادتها. كما أبلغ المسئولون الإسرائيليون نظراءهم الأمريكيين بأنهم يضعون فى حساباتهم تراجع أمريكا ودخولها فى السنوات المقبلة (فيما بعد إدارة بوش) مرحلة انعزال، لذلك يبدو أن إسرائيل تريد أن تكرر مع إيران ما سبق أن فعلته ضد العراق .
وهذه السيناريوهات تنحصر فى احتمال دفع الأزمة لأحد مسارين بطبيعة الحال:
أولهما، مسار الانفراج، وثانيهما مسار التصعيد، وبداخل هذين السيناريوهين، سيناريوهات أخرى فرعية، فبداخل مسار الانفراج يمكن الحديث عن تسوية نهائية للأزمة، أو تجميدها خلال المرحلة الحالية، مع إمكانية تفجرها مرة أخرى، وبداخل سيناريو التصعيد، يمكن توقع فشل المباحثات الأوروبية الإيرانية ونجاح الضغوط الأمريكية القوية التى تمارس على الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى نقل الملف إلى مجلس الأمن، وحال تحقق هذه الخطوة، يمكن الحديث عن سيناريو فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وإمكانية استهدافها عسكريا، أو أن تستبق الولايات المتحدة أو إسرائيل برعاية من واشنطن بضرب إيران. ولكن هذا السيناريو (سيناريو التصعيد) يمكن أن يتضمن حدوث تسوية للأزمة استناداً إلى سياسة حافة الهاوية .
وعلى هذا النحو تتعدد الاحتمالات بشأن مستقبل تسوية الملف النووى الإيرانى ،إضافة إلى كون إيران تمثل حجر عثرة أمام المشروع الأمريكى لإعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط . فما الذى يمكن أن يحدث، وبتساؤل آخر : أى السيناريوهات مرجح للحدوث ؟
الواقع، أنه وعلى الرغم من أن الأزمة قد اتخذت خلال الفترة الأخيرة منحنى تصعيدياً غير مسبوق، فإن الطريق إلى التفاوض، وبالتالى إمكانات الانفراج، مازال مفتوحاً، بالنظر إلى ثلاثة عوامل أساسية :
أولها، أنه إذا كانت إيران قد بدأت فى استئناف نشاطاتها النووية، فإن هذه الخطوة، ورغم ما أثارته من غضب لدى الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، لم تأت متعارضة مع ما كانت اتفقت إيران عليه مع الترويكا الأوروبية من تعليق (طوعى) لأنشطة تخصيب اليورانيوم، فهذه الخطوة هدفها (تحويل) وليس (تخصيب) اليورانيوم وفى منشأة أصفهان على وجه التحديد، وهى منشأة لا تثير القلق الذى تثيره المنشآت الأخرى مثل ناتانز أو مفاعل بوشهر .
وثانيها، أن إيران أكدت بعد تلك الخطوة أنها ملتزمة بالتفاوض مع الأوربيين، الذين أكدوا من ناحيتهم على أن خيار التفاوض ما يزال قائما، بل إن الرئيس الإيرانى أعلن أن لديه أفكاراً جيدة لتسوية الأزمة، وقدمت إيران جملة من المقترحات للجانب الأوروبى بهدف تأكيد التزامها على سلمية برنامجها النووى ورغبتها فى مواصلة التفاوض، ومن المؤكد أن المصالح الأوروبية الضخمة وبالذات للدول الثلاث التى تقوم بالمباحثات مع إيران، سوف تدفع الأوروبيين إلى الحرص على عدم تصعيد الأمور والوصول إلى مرحلة فرض عقوبات اقتصادية على إيران، لأن ذلك سوف يسبب ضرراً كبيراً للجانب الأوروبى الذى يتجاوز حجم تجارته مع طهران الـ 30 مليار دولار .
وثالثها، أن مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يحدد عقوبات بعينها سوف تفرض على طهران، إذا لم توقف أنشطتها النووية،
كل هذه الأمور، تؤكد على أن باب التفاوض ما يزال مفتوحا، وأنه يمكن أن يسفر عن تسوية لتلك الأزمة، والتسوية المثالية من وجهة نظر إيران ، أن تسفر المفاوضات عن إقرار حق إيران فى تخصيب اليورانيوم وامتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية، مع إعطاء كافة الضمانات الخاصة بالتحقق من سلمية البرنامج النووى الإيرانى، وهذا الحق تقره معاهدة منع الانتشار النووى لكافة الدول، أما التسوية المثالية من وجهة النظر الأمريكية وما تريده إدارة بوش، فتتمثل فى أن تنتهى المفاوضات إلى الاتفاق مع إيران على وقف نهائى وشامل لأنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم، مقابل أن تحصل الجمهورية الإسلامية على مزايا اقتصادية ودعم أوروبى وتعهد دولى بضم إيران لمنظمة التجارة العالمية، ولا مانع من استيراد إيران للوقود النووى المخصب من روسيا أو دول أخرى، لتشغيل المفاعلات النووية الإيرانية، وهو ما ترفضه طهران، التى تؤكد على ضرورة الاعتراف بحقها المشروع فى تخصيب اليورانيوم وامتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، فى إطار توفير الاحتياجات الذاتية من الوقود النووى، مع رفض مبدأ استيراد الوقود النووى الباهظ الثمن والذى يرهن حصول إيران عليه بتقلبات السياسة الدولية .
وبين طموح إيران فى أن تسفر المفاوضات عن تقرير حقها فى تخصيب اليورانيوم وامتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية من ناحية، والرفض الأمريكى المطلق لمنح إيران حق تخصيب اليورانيوم من ناحية أخرى، يمكن توقع توصل الطرفين إلى عدة صيغ للحلول الوسط، للتوفيق بين الحد الأقصى الذى تطالب به طهران، والحد الأقصى الذى تريده واشنطن، ومن المؤكد أن التفاوض سوف يجرى حول مثل هذه الصيغ، ولكن هذا التفاوض سوف لن يستمر بطبيعة الحال إلى ما لا نهاية، وقد يعرض لإنهاء قسرى، أو بعد التيقن من عدم فعاليته، ومن ثم يكون غلق باب التفاوض، وهذا الأمر مرشح للحدوث في الحالتين التاليتين :
أولاهما، أن تنجح الضغوط القوية التى تمارسها الولايات المتحدة على أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى دفع الملف إلى مجلس الأمن، بدون انتظار نتائج المحادثات الجارية بين الأوربيين والإيرانيين، حيث أن واشنطن تبدو متلهفة على مثل هذه الخطوة من أجل حشر إيران فى الزاوية (كما تعتقد إدارة بوش) ومن ثم الحصول منها على أكبر قدر ممكن من التنازلات، ليس فقط فى قضية الملف النووى، ولكن فى قضايا إقليمية أخرى، ولكن هذا السيناريو يواجه بعقبات عدة، منها أن الغالبية الكاسحة من أعضاء الوكالة مع خيار التفاوض، ومنها كذلك أن هناك بعض الدول الأعضاء بالوكالة مثل البرازيل لديهم برامجهم النووية السلمية،
وهذه الدول، تخشى من معاقبة إيران التى ليس ثمة ما يدين برنامجها النووى لكون طابعه السلمى، حتى لا يكون ذلك بمثابة مقدمة لاستهدافها فى مرحلة لاحقة، من أجل حصر امتلاك التكنولوجيا النووية بشقيها السلمى والعسكرى فى دول محددة، وهذا الأمر سبب خلافات قوية داخل الوكالة فى اجتماعها الأخير، ويبدو أن الجانب المعارض للولايات المتحدة قد انتصر فى هذا الاجتماع، بالنظر لما جاء فى القرار المذكور الذى اتخذه الاجتماع .
وثانيتهما، أن تفشل محادثات الترويكا الأوروبية مع إيران فى الوصول إلى صيغة مرضية للجانبين، وهذا الفشل ربما يكون دافعاً لنجاح الضغوط الأمريكية المشار إليها، مع الأخذ بعين الاعتبار، العقبات السالف ذكرها التى تواجه واشنطن داخل مجلس الوكالة، وكذلك العقبات الخاصة باحتمال أن يتوافق الأوروبيون كليا مع الموقف الأمريكى، الداعى لطرح القضية على مجلس الأمن، ذلك أنه وعلى الرغم من أن الموقف الأوروبى بدأ يميل للتشدد تجاه إيران، فإن هذا الموقف ما يزال متميزاً عن الموقف الأمريكى، ففى الوقت الذى هدد فيه بوش بعمل عسكرى ضد إيران بعد استئناف نشاطاتها النووية، أكد الجانب الألمانى بحزم على ضرورة التمسك بخيار التفاوض دون التلويح بعمل عسكرى .
وعلى الرغم من أن سيناريو إحالة الملف النووى الإيرانى على مجلس الأمن، يظل وارداً، كإحدى السيناريوهات الفرعية لتصاعد حدة الأزمة، فإن وصول الملف إلى مجلس الأمن لا يعنى أن الكارثة قد وقعت بالفعل، فالولايات المتحدة التى تبدو أكثر تلهفاً لهذه الخطوة، إذا ما فشلت فى إخضاع إيران من مجرد التهديد بها، وصمدت إيران حتى وصول ملفها النووى إلى المجلس، سوف تجد نفسها فى هذه المرحلة فى حاجة لحشد التأييد الدولى لها من أجل فرض عقوبات على إيران، وهذه خطوة سوف تواجه بالعديد من المعوقات، وسوف تجد الولايات المتحدة نفسها فى مأزق حقيقى إذا ما اتجهت بسبيل حشد هذا التأييد لعمل عسكرى ضد إيران، هذا إذا فكرت واشنطن أصلا فى الخيار العسكرى، فى ضوء الورطة التى تواجهها فى العراق، مع الاستتنزاف الحاصل للقوات الأمريكية هناك، ومن ثم عدم منطقية فتح جبهة نارية أخرى، ومن المؤكد أن هذه العقبات التى تواجه واشنطن إذا ما أحيل الملف النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن، تمثل من ناحية أخرى مزايا تدعم الموقف الإيرانى الذى يستند على حق مشروع بتخصيب اليورانيوم وفقا لمعاهدة منع الانتشار النووى .
وإضافة إلى كل هذه السيناريوهات، هناك السيناريو الخاص بإمكانية حدوث صفقة شاملة بين الولايات المتحدة التى هى المحرك الأساسى لقضية الملف النووى الأيرانى من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، وثمة معلومات متناثرة حول قنوات سرية للحوار بين الجانبين ، ويتم بمقتضى هذه الصفقة إنهاء هذه الأزمة بشكل شامل، عن طريق التزامات متبادلة بين الطرفين، تضمن إنهاء حالة العداء المزمنة بين الطرفين، وهذا الأمر يمكن أن يتم بتعهد واشنطن بعدم استهداف إيران أو تهديدها، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة فى البنوك الأمريكية، وإقرار واشنطن بدور إيران الإقليمى وخصوصيتها الحضارية، والحل المتصور فى هذه الحالة، يتمثل فى أن توقف إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم لفترة من أجل بناء الثقة، أو أن تساهم الولايات المتحدة فى المشروع النووى الإيرانى .
وعلى هذا النحو، فإن ثمة سيناريوهات متعددة لأزمة الملف النووى الإيرانى، تجعل مستقبل هذا الملف مفتوحاً على العديد من الاحتمالات، التى لا يمكن التأكيد بشكل قاطع على أحدها دون الآخر .
احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران
بالرغم من إعلان الرئيس بوش أنه لا يوجد حالياً على الطاولة مخطط لعمل عسكرى ضد إيران، إلا أن نائب الرئيس ديك تشينى أكد فى أكثر من تصريح أن جميع الخيارات مطروحة، وأن لدى الولايات المتحدة استراتيجية شاملة للعمل ضد إيران.إلا أن زيادة الحشود الجوية الأمريكية فى الخليج بإضافة مجموعة حاملة الطائرات (ستينس) إلى جانب حاملة الطائرات (أيزنهاور) وبذلك تضاعف حجم المقاتلات فى الخليج إلى حوالى 150 مقاتلة، وزيادة حجم الصواريخ كروز (توما هوك) إلى حوالى 200 صاروخ، هذا إلى جانب عدد من السفن كاسحات الألغام تحسباً لقيام إيران بتلغيم مياه الخليج، كما وجه بوش أوامر مشددة لتخزين كميات كبيرة من احتياطى البترول الأمريكي، إلى جانب تخزين المواد اللوجستية اللازمة للضربة.
وفى الإطار نفسه قامت الولايات المتحدة بدعم قواعدها على الساحل الغربى للخليج ببطاريات صواريخ مضادة للصواريخ (باتريوت- باك3). وقامت البحرية الأمريكية بعدة مناورات شملت التدريب على إعادة فتح ممر هرمز إذا ما أغلقته إيران فى وجه ناقلات النفط، واحتلال قاعدة بندر عباس الإيرانية، والتصدى لهجمات زوارق صواريخ وزوارق انتحارية، والدفاع عن القواعد البحرية فى مواجهة إبرار بحرى إيرنى. وهو ما ردت عليه إيران بالإعلان عن المناورات (اقتدار) في فبراير 2007 على خلفية تصاعد الأزمة النووية، واستمرت ثلاثة أيام شارك فيها 65 ألف جندى فى 20 لواء من الحرس الثورى فى 16 محافظة من ثلاثين محافظة إيرانية. وقد شملت موضوعاتها اختبار أنظمة الدفاع الجوى الحديثة التى حصلت عليها إيران من روسيا أخيرا (29 بطارية Tor-Mi) بتكلفة 1.4 مليار دولار. إلى جانب اختبار صواريخ أرض أرض فجر 3،5 وزلزال، وأرض / بحر مداه 350 كم- واتهمت بإطلاق صاروخ إلى الفضاء تمهيداً لتحميله مستقبلاً بقمر صناعى. كما طورت إيران طائرة بدون طيار لمهاجمة السفن الأمريكية عن بعد.
وفى إطار الحرب السرية غير المعلنة الناشئة حالياً بين أمريكا وإيران، وقعت مؤخراً عدة أحداث كشفت عن مخططات أمريكية لشن عمليات مخابراتية تحتية وقوات خاصة ضد عناصر فيلق القدس الإيرانى فى العراق، ولإثارة الأقليات المتواجدة فى المحافظات الحدودية الإيرانية ضد النظام الحاكم، وهو ما ردت عليه إيران بتكثيف هجمات الميليشيات التابعة لها فى العراق ضد القوات الأمريكية.
أبعاد الضربة
وفى إطار التخطيط للعمل العسكرى، كشفت مجلة (نيويوركر) الأمريكية عن تشكيل لجنة خاصة فى البنتاجون للتخطيط لشن هجوم على إيران خلال 24 ساعة من تلقى الأوامر بذلك من الرئيس الأمريكى، وأن الأهداف التى سيتم قصفها بالقاذفات والمقاتلات والصواريخ كروز (توماهوك) لن تنحصر فقط فى المنشآت النووية الإيرانية، بل ستشمل أهدافاً مؤثرة أخرى استراتيجية وعسكرية، مثل مراكز القيادة والسيطرة السياسية والاستراتيجية والمطارات وقواعد الدفاع الجوى، ومناطق تمركز وحدات الحرس الثورى البرية والبحرية، لاسيما فيلق القدس. هذا إلى جانب أهداف الضربة الثانية وأبرزها وحدات الصواريخ أرض أرض (شهاب3)، مراكز الصناعة العسكرية داخل إيران، ويبلغ إجمالى حجم الأهداف المتوقع أن تشملها خطة الهجوم حوالى 150 هدفاً تحتاج إلى حوالى 600 طائرة مقاتلة و 200 صاروخ توماهوك. وستفتتح الهجوم قاذفات قادمة رأساً من قواعدها فى الولايات المتحدة وبريطانيا وديجوجارسيا مثل B-I، B-2، B-52، ومن قاعدة العُديّد القطرية المقاتلات F-17. ولأن الذخائر التقليدية الذكية لن تجدى نفعاً فى إحداث التدمير المطلوب لاسيما فى المنشآت النووية المحصنة والموجودة فى أنفاق على عمق حوالى 30 متراً تحت الأرض، لذلك من المخطط استخدام ذخائر الأعماق الذكية المشار إليها فى فتح فجوات فى هذه التحصينات، وبما يسمح بعد ذلك بتوجيه قنابل نووية تكتيكية b61-11 داخل هذه الفجوات بقوة كيلو طن (1000 طن متفجرات) لإحداث تدمير شامل وإعادة لكل ما هو داخل التحصينات المكونة من طبقات من الصخور والخرسانة المسلحة تحوى معدات وأفراداً وكان الكونجرس قد أقر قانوناً منذ عامين يسمح للإدارة الأمريكية باستخدام أسلحة نووية تكتيكية منخفضة القوة فى حروب أمريكا الاستباقية، على أساس أن إشعاعاتها تنحصر فقط تحت الأرض، وهو ما ليس بصحيح. وقد قامت الوحدات الجوية الأمريكية المقرر تنفيذها لهذا الهجوم بالتدريب عليه على نماذج للأهداف الإيرانية فى صحراء نيفادا. كما تكثف وسائل الاستطلاع، والمخابرات الأمريكية الفضائية والجوية والبشرية والإلكترونية فى جهودها لاكتشاف وتأكيد مواقع الأهداف الإيرانية التى يقوم الإيرانيون بتغيير أماكنها باستمرار والتمييز بين الأهداف الحقيقية والهيكلية، وفى هذا المجال رصدت الرادارات الإيرانية زيادة معدلات الدوريات الجوية فى مناطق الحدود الإيرانية، خصوصاً مع العراق وأفغانستان، كما عبرت مجموعات مخابراتية وقوات خاصة أمريكية وإسرائيلية الحدود إلى داخل إيران لتأكيد أوضاع الأهداف التى سيتم قصفها، والاتصال بالعناصر المعارضة فى الداخل للقيام بعمليات تخريب واغتيال وخطف ضد شخصيات سياسية وعسكرية وعلمية فى النظام الإيرانى، عندما يحين موعد الهجوم الأمريكي، وقد تمكنت أجهزة الأمن الإيرانية من اعتقال عناصر من هذه المجموعات.
مبررات تسويق الضربة
تعكف الإدارة الأمريكية منذ فترة على إعداد قائمة اتهامات ضد إيران يمكن أن تبرر بها أمام الكونجرس والرأى العام الأمريكي قرارها بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران. فقد ذكر مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد ولش أن الولايات المتحدة لديها أدلة واضحة على وقوف إيران وراء الاعتداءات التى يتعرض لها جنودها فى العراق، وأن واشنطن لا تستبعد أى خيار للتعامل مع هذه المسألة. كما أعلن الجنرال ريموند أو ديرنو المسئول العسكرى الثانى فى القوات الأمريكية بالعراق أن بلاده تملك أدلة ثابتة على أن إيران تسلح ميليشيات شيعية عراقية تابعة لها، وأنهم ضبطوا أسلحة إيرانية ذات أرقام متسلسلة مماثلة لتلك التى أمدت بها طهران حزب الله فى لبنان، كما أرجح مسئولون أمريكيون فى العراق سقوط 8 مروحيات أمريكية طرازى شينوك وآباتشى إلى تزويد إيران للميليشيات التابعة لها فى العراق بصواريخ أرض/ جو متقدمة قادرة على التغلب على إجراءات الحماية الإلكترونية المزودة بها هذه المروحيات، قادرة على تغيير مسار صاروخ (ستريلا - سام7) من الجيل القديم.
أما المبررات من حيث البرنامج النووى الإيرانى، فتتمثل فيما أشار إليه المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى تقريره السنوى لعام 2007 من أن إيران قد تتمكن من إنتاج سلاح نووى فى غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، ذلك أن مخزون إيران من غاز UF-6 (سادس فلوريد اليورانيوم، يبلغ 250 طن، ويتم إنتاجه فى مصنع أصفهان قبل أن يضخ فى أجهزة الطرد المركزى الموجودة فى مصنع التخصيب فى ناتانز، وهذه الكمية تكفى فى حالة تخصيبها لإنتاج 30-50 سلاحاً نووياً. وأنه فى حالة تشغيل الـ 3000 جهاز طرد مركزى- خاصة طراز p2-وهو ما وعد به الرئيس الإيرانى نجاد، فإنه يلزم ما بين 9-11 شهراً لإنتاج 25 كجم يورانيوم 235 بنسبة تخصيب 90% كافية لصنع سلاح نووى واحد بقدرة 20 كيلوا/طن.إلا أن عنق الزجاجة الرئيسى الذى يتعين على العلماء الإيرانيين اجتيازه لصنع هذه الأسلحة هو معرفة كيفية تمرير المادة الخام بداخل مجموعات أنابيب الطرد المركزى لفترات ممتدة، ولكن من المتوقع أن تنجح إيران فى تشغيل الـ 3000 جهاز قبل نهاية 2007، وهو ما قد يعجل بتوجيه الضربة الأمريكية ضدها.
وعن توقيت تنفيذ الضربة ضد إيران، فهو مرتبط بعوامل كثيرة أبرزها استنفاد الوسائل الدبلوماسية والعقوبات فى إجبار طهران على الانصياع لقرارات مجلس الأمن، واستكمال الحشد البحرى والجوى فى المنطقة، ونجاح التمهيد السياسى فى إقناع الكونجرس والرأى العام الأمريكي بمبررات الضربة، ومع إعلان إيران نجاح تشغيل الـ 3000 جهاز طرد مركزى لتخصيب اليورانيوم. والمرجع لذلك ربيع عام 2008 قبل نهاية ولاية بوش والذى يصر على ألا يترك هذه المشكلة معلقة لمن سيأتى بعده فى رئاسة أمريكا.
الدور الإسرائيلى فى الضربة ضد إيران
يبرز الدور الإسرائيلى فى الضربة العسكرية المتوقعة ضد إيران، نتيجة ما تجده واشنطن من صعوبة فى تسويق مبررات هذه الضربة فى الداخل، حيث تلقى معارضة من ثلثى الشعب الأمريكي، ومن داخل الكونجرس الذى يسيطر عليه الديموقراطيون، فقد فوجئت الإدارة الأمريكية بردود الفعل الباردة تجاه إعلانها عن أدلة دامغة لتوريط فيلق القدس الإيرانى فى مقتل 170 أمريكياً فى العراق، ودور الرشاشات المتوسطة التى سبق أن اشترتها إيران من النمسا فى تفجير شاحنات (هامفى) العسكرية الأمريكية فى العراق. وإن كانت الإدارة الأمريكية تراهن حالياً على التخويف من احتلال إيران للبصرة بعد انسحاب القوات البريطانية منها.
لذلك فإن السيناريو البديل لذلك هو السيناريو الإسرائيلى الذى ينقذ الإدارة الأمريكية من اعتراض الكونجرس على شن ضربة ضد إيران، وذلك من منطلق الوزن الكبير الذى يمثله اللوبى اليهودى فى الحزب الديمقراطى، وبالتالى استحالة رفض الديموقراطيين دخول أمريكا الحرب ضد إيران دفاعاً عن إسرائيل، خصوصاً أنهم على أبواب انتخابات الرئاسة فى يناير 2009، خاصة وأن تهديدات نجاد بإزالة إسرائيل من الوجود تعطى الأخيرة المبرر لضرب إيران.
ولم يتردد المسئولون الإسرائيليون فى إعلان رفضهم السماح بأن يمضى البرنامج النووى الإيرانى فى طريقه حتى يتم إنتاج سلاح نووى، وأن إسرائيل غير مستعدة للقبول بنظرية توازن الرعب بينها وبين إيران، لأن هذه النظرية وإن نجحت إبان فترة الحرب الباردة فى منع نشوب حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، فإنه لا يمكن تطبيقها على دولة صغيرة مثل إسرائيل تكفى قنبلة نووية واحدة لإبادتها. كما أبلغ المسئولون الإسرائيليون نظراءهم الأمريكيين بأنهم يضعون فى حساباتهم تراجع أمريكا ودخولها فى السنوات المقبلة (فيما بعد إدارة بوش) مرحلة انعزال، لذلك يبدو أن إسرائيل تريد أن تكرر مع إيران ما سبق أن فعلته ضد العراق .
التعليقات
إرسال تعليقك